فصل: فَصْلٌ: (وقت خروج الزكاة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ: [وقت خروج الزكاة]

تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ. أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمُوَسَّعَةٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا (وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ، وَزِيدَ عَلَيْهِمَا هُنَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الرِّكَازُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَعْدِنُ (عَلَى الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمُ يَجِبُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا لِنَفَاذِ حُكْمِهِ، فَلَوْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ لَمْ تُحْسَبْ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْجَائِرِ (وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِيهِ (وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَفْرِيقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بالمستحقين وَأَقْدَرُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْثَقُ. وَهَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ. أَمَّا الظَّاهِرُ فَصَرْفُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ وَجْهَانِ وَقِيلَ: قَوْلَانِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا) فَتَفْرِيقُ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ، وَتَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ قَطْعًا. وَفِيهَا كَأَصْلِهَا: لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ زِيَادَةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ لِلْوُلَاةِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا، وَأَرْبَابُهَا أَحَقُّ بِهَا فَإِنْ بَذَلُوهَا طَوْعًا قَبِلَهَا الْوَالِي (وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضَ زَكَاةِ مَالِيٍّ أَوْ فَرْضَ صَدَقَةِ مَالِيٍّ وَنَحْوَهُمَا) أَيْ كَزَكَاةِ مَالِيٍّ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ صَدَقَةِ مَالِيٍّ الْمَفْرُوضَةِ. وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ أَجْزَأَهُ، وَقِيلَ: لَا كَمَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ تَقَعُ نَفْلًا كَالْمُعَادَةِ. وَالزَّكَاةُ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إنْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِيٍّ كَفَاهُ، وَإِنْ قَالَ زَكَاةٌ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَأَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ (وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِيٍّ) لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً وَنَذْرًا (وَكَذَا الصَّدَقَةُ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِيٍّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا تَكُونُ نَافِلَةً وَالثَّانِي يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَبَّرَ فِيهِ فِي الْأُولَى بِالْأَصَحِّ. (وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ) الْمُزَكَّى فِي النِّيَّةِ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ (وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ) أَيْ الْمُخْرَجُ (عَنْ غَيْرِهِ) فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَاضِرَةً وَمِائَتَيْنِ غَائِبَةً فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبَةِ فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ كَانَ عَيَّنَهُ عَنْ الْغَائِبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَالْمُرَادُ الْغَائِبَةُ عَنْ مَجْلِسِهِ لَا عَنْ الْبَلَدِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ نَقْلِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْآتِي فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ.
(وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ) فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمُوَقَّعُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَضَمَّ إلَيْهِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّفِيهَ (وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عَنْهُ التَّفْرِيقَ أَيْضًا) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَالثَّانِي لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ فَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ فَتَكْفِي وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِيقِ الْوَكِيلِ كَفَى. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَنَفَى فِيهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (وَلَوْ دَفَعَ) الزَّكَاةَ (إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْقَسْمِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَيْهِمْ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ (لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ) عِنْدَ الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ، وَالثَّانِي يُجْزِئُ نَوَى السُّلْطَانُ أَمْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضَ. وَلَا يَقْسِمُ إلَّا الْفَرْضَ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ لِتُجْزِئَهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا ثَانِيًا. وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا تَلْزَمُ السُّلْطَانُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نِيَّتَهُ) أَيْ السُّلْطَانِ (تَكْفِي) فِي الْإِجْزَاءِ بَاطِنًا إقَامَةً لَهَا مُقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَنْوِ وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِالزَّكَاةِ. وَبَنَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي فَقَالَا: إنْ قُلْنَا لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُمْتَنِعِ بَاطِنًا لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ قُلْنَا تَبْرَأُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ الْمَالِكُ فِيمَا هُوَ مُتَعَبِّدٌ عَنْهُ، وَالثَّانِي: تَجِبُ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا يَلِيهِ مِنْ أَمْرِ الزَّكَاةِ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمُمْتَنِعُ مَقْهُورٌ كَالطِّفْلِ.

. فَصْلٌ: [في تعجيل الزكاة]

لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ) لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا (وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا (قَبْلَ الْحَوْلِ) بَعْدَ مِلْكِهِ النِّصَابَ لِوُجُودِ السَّبَبِ. وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَإِذَا مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاةً لِيَكُونَ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاتِهِ إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَصَلَ مَا تَوَقَّعَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الْحَادِثِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِيهَا بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ
(وَلَا تَعْجِيلَ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهَا وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، فَمَا عُجِّلَ لِعَامَيْنِ يُجْزِئُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، وَالثَّانِي اسْتَنَدَ إلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأُجِيبَ بِانْقِطَاعِهِ كَمَا بَيَّنَهُ وَبِاحْتِمَالِ التَّسَلُّفِ فِي عَامَيْنِ وَالْجَوَازُ عَلَى الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا بَقِيَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَأَنْ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً فَعَجَّلَ مِنْهَا شَاتَيْنِ، فَإِنْ عَجَّلَهُمَا مِنْ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ لَمْ يُجْزِئْ الْمُعَجَّلُ لِلْعَامِ الثَّانِي لِنَقْصِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْعَامِ فَالتَّعْجِيلُ لَهُ تَعْجِيلٌ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فِيهِ. وَقِيلَ يُجْزِئُ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ (وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ) لَيْلًا وَقِيلَ نَهَارًا لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ سَبَبٌ آخَرُ لَهَا (وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ) أَيْ مَنْعُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ. وَالثَّانِي جَوَازُ تَقْدِيمِهِ فِي السَّنَةِ كَمَا حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا (وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَخْمِينًا، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ حِينَئِذٍ. وَالثَّالِثُ يَجُوزُ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِالْقَدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ نَقَصَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْوَاجِبِ أَخْرَجَ بَاقِيَهُ أَوْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ قَطْعًا. وَالْإِخْرَاجُ لَازِمٌ بَعْدَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ (وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلِ) أَيْ وُقُوعِهِ زَكَاةً كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِ (إلَى آخِرِ الْحَوْلِ) فَلَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً كَمَا أَفْصَحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَكَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) فَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يُحْسَبْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَنْ الزَّكَاةِ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ) كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْمَالُ الْمُعَجَّلُ (وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ) أَيْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا. وَيَضُرُّ غِنَاهُ بِغَيْرِهَا قَالَ الْفَارِقِيُّ: كَزَكَاةٍ أُخْرَى وَاجِبَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةٍ أَخَذَهَا بَعْدَ الْأُولَى بِشَهْرٍ مَثَلًا (وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) الْعُرُوضُ مَانِعٌ (اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (إنْ كَانَ شَرْطُ الِاسْتِرْدَادِ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ) أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ (اسْتَرَدَّ) لِذِكْرِهِ التَّعْجِيلَ أَوْ الْعِلْمِ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ وَالثَّانِي: لَا يَسْتَرِدُّ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الزَّكَاةِ (وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ) وَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّ لِظَنِّهِ الْوُقُوعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ) وَهُوَ ذِكْرُ التَّعْجِيلِ أَوْ عِلْمُ الْقَابِضِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَشَرْطُ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ عِلْمِ الْقَابِضِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِعِلْمِهِ، وَعَلَى الِاسْتِرْدَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ إذَا نَازَعَهُ الْقَابِضُ فِي قَوْلِهِ قَصَدْتُ التَّعْجِيلَ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَمَتَى ثَبَتَ) الِاسْتِرْدَادُ (وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ) بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمُتَقَوِّمِ (اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ) وَالثَّانِي قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا) نَقْصَ أَرْشٍ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ لِأَنَّ النَّقْصَ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَالثَّانِي لَهُ أَرْشُهُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالتَّلَفِ. وَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ بَعِيرَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ رَجَعَ فِيهِ وَبِقِيمَةِ التَّالِفِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ، وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمُوَقَّعُ كَأَنَّ الْقَابِضَ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْحَقِيقَةِ. أَمَّا الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَالْكِبَرِ فَتَتْبَعُ الْأَصْلَ فَيَسْتَرِدُّهُ مَعَهَا (وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ) أَيْ أَدَائِهَا (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (يُوجِبُ الضَّمَانَ) لَهَا (إنْ تَلِفَ الْمَالُ) الْمُزَكَّى لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ (وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) بَعْدَ الْحَوْلِ (فَلَا) ضَمَانَ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ (وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ) وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، فَإِذَا تَلِفَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي (وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) لِتَقْصِيرِهِ بِإِتْلَافِهِ
(وَهِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ) الَّذِي تَجِبُ فِي عَيْنِهِ (تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ) بِقَدْرِهَا (وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ) بِقَدْرِهَا مِنْهُ وَقِيلَ: بِجَمِيعِهِ (وَفِي قَوْلٍ) تَتَعَلَّقُ (بِالذِّمَّةِ) كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْ مَالِهِ قَهْرًا، كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ قَهْرًا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنْ قِسْمَتِهِ. وَلِلثَّانِي أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا وَلَمْ تُوجَدْ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ فِي مَالِهِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ وَيَشْتَرِيَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ مَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلِلثَّالِثِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَاعْتَذَرُوا لِلْأَوَّلِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَمْرَ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْإِرْفَاقِ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْإِبِلِ فَقِيلَ لَا يَجْرِي فِيهِ قَوْلُ الشَّرِكَةِ. وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُهُ وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَهَلْ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً مَثَلًا شَاةٌ مُبْهَمَةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ، وَجْهَانِ يَأْتِيَانِ عَلَى قَوْلِ تَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَيْضًا بِالْبَعْضِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: أَنَّ الْجُمْهُورَ جَعَلُوا تَعَلُّقَ الرَّهْنِ وَالذِّمَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَقَالُوا: تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مُرْتَهَنٌ بِهَا وَحِكَايَةُ قَوْلٍ رَابِعٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِسُقُوطِهَا بِتَلَفِ الْمَالِ، وَالتَّعَلُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ: بِجَمِيعِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي مَسْأَلَةِ الشِّيَاهِ السَّابِقَةِ (فَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَالَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (فِي قَدْرِهَا وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي) وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ، وَالثَّالِثُ صِحَّتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَوَّلَانِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَيَأْتِيَانِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ، وَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ. وَيَأْتِي الثَّالِثُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّينَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِيهِ إذْ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ مَالِهَا، وَعَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيُسَامَحُ فِيهِ بِمَا لَا يُسَامَحُ بِهِ فِي سَائِرِ الرُّهُونِ، وَعَلَى تَعَلُّقِ الْأَرْشِ يَكُونُ بِالْبَيْعِ مُخْتَارًا لِلْإِخْرَاجِ مِنْ مَالٍ آخَرَ. وَإِذَا صَحَّ فِي قَدْرِهَا فَمَا سِوَاهُ أَوْلَى، وَعَلَى تَعَلُّقِ الذِّمَّةِ يَصِحُّ بَيْعُ الْجَمِيعِ قَطْعًا. وَلَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَالِ وَلَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ. وَإِنْ أَبْقَى قَدْرَهَا بِنِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهَا أَوْ بِلَا نِيَّةٍ فَعَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ وَالْأَوَّلُ قَالَ: مَا بَاعَهُ حَقُّهُ وَعَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ يَصِحُّ الْبَيْعُ. أَمَّا بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَيَصِحُّ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ.

. كتاب الصيام:

(يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي (وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ) تَحْصُلُ (بِعَدْلٍ) قَالَ«ابْنُ عُمَرَ: أَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ (وَفِي قَوْلٍ) يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ (عَدْلَانِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ (وَشَرْطُ الْوَاحِدِ صِفَةُ الْعُدُولِ فِي الْأَصَحِّ لَا عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ) فَلَيْسَا مِنْ الْعُدُولِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِطْلَاقُ الْعُدُولِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْعَدْلِ فَيُصَدَّقُ بِهَا وَبِالرِّوَايَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ بِالْوَاحِدِ شَهَادَةٌ أَوْ رِوَايَةٌ، فَلَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَثْبُتُ بِهِ عَلَى الثَّانِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ. وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ فِيهِ وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى أَقْوَالِ الْمُزَكِّينَ وَجْهَانِ، وَيُشْتَرَطُ عَلَى قَوْلِ الْعَدْلَيْنِ جَزْمًا، وَعَلَيْهِ لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْعَبِيدِ جَزْمًا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً. وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا نُوقِعُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَا نَحْكُمُ بِحُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إلَيْهِ. وَعَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ قَالَ الْإِمَامُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ: إذَا أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ لَزِمَ قَبُولُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيُّ قَالُوا: يَجِبُ الصَّوْمُ وَلَمْ يُفَرِّعُوهُ عَلَى شَيْءٍ. (وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الشَّهْرَ يَتِمُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ. وَالثَّانِي لَا نُفْطِرُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ وَاحِدٌ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَقْصُودًا وَقَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَالَتَيْ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ. وَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالْإِفْطَارِ فِي حَالَةِ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ
(وَإِذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَلْزَمُ فِي الْبَعِيدِ أَيْضًا. (وَمَسَافَةُ الْبَعِيدِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَقِيلَ) الْبَعِيدُ (بِاخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ، قُلْت: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: اعْتِبَارُ الْمُطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى، ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِ الْمُطَالِعِ لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ. (وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى) أَهْلِ (الْبَلَدِ الْآخَرِ) وَهُوَ الْبَعِيدُ لِكَوْنِهِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ لِاخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ (فَسَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي الصَّوْمِ آخِرًا) لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ. (وَمَنْ سَافَرَ مِنْ الْبَلَدِ الْآخَرِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا عَيَّدُوا التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَإِذَا أَفْطَرَ قَضَى يَوْمًا إذَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَسُكُوتُهُ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ ذَلِكَ لِلْعَمَلِ بِهِ. (وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدًا فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ إلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ فَالْأَصَحُّ) مِنْ وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ أَيْضًا (أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ). وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إمْسَاكُهَا وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ، لَكِنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَرَوْهُ بِأَنْ يَكُونَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِمْ لِتَأَخُّرِ ابْتِدَائِهِ بِيَوْمٍ.

. فَصْلٌ: [النية في الصوم]

وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. وَفِي الشَّرْحِ لَمْ يُورِدُوا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ شَرْطٌ هَاهُنَا أَيْ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهَا رُكْنٌ كَالْإِمْسَاكِ. قَالَ: وَالْأَلْيَقُ بِمَنْ اخْتَارَ كَوْنَهَا شَرْطًا هُنَاكَ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ هَاهُنَا. (وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ التَّبْيِيتُ) لِلنِّيَّةِ أَيْ إيقَاعُهَا لَيْلًا. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي التَّبْيِيتِ (النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ اللَّيْلِ) لِإِطْلَاقِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَالثَّانِي تَقْرُبُ النِّيَّةُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا) وَقِيلَ يَضُرُّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا تَحَرُّزًا عَنْ تَخَلُّلِ الْمُنَاقِضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ) لَهَا (إذَا نَامَ) بَعْدَهَا (ثُمَّ تَنَبَّهَ) قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
(وَيَصِحُّ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي قَوْلٍ) فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ، وَالرَّاجِحُ الْمَنْعُ،«دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ لَا. قَالَ: فَإِنِّي إذًا أَصُومُ قَالَتْ: وَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ: أَعِنْدَك شَيْءٌ قُلْت نَعَمْ قَالَ: إذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْت فَرَضْت الصَّوْمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ: إسْنَادُهَا صَحِيحٌ«هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ» وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَالْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ يَقِيسُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُخَالِفَ النَّفْلُ الْغَرَضَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُزَنِيُّ وَأَبَا يَحْيَى الْبَلْخِيّ قَالَا بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ فِي النَّفْلِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. (وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاكُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ) فِي النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ. (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ ثَوَابًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ لِجَمِيعِ الرَّكْعَةِ ثَوَابًا أَمْ قُلْنَا إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَإِلَّا يَبْطُلُ مَقْصُودُ الصَّوْمِ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا أَيْ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ. وَشَرْطُ الصَّوْمِ هُنَا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْخُلُوُّ عَنْ الْكُفْرِ وَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ.
(وَيَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ) سَوَاءٌ فِيهِ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهَا. أَمَّا النَّفْلُ فَيَصِحُّ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ كَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا، بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا (وَكَمَالُهُ) أَيْ التَّعْيِينِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَمَالُ النِّيَّةِ. (فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ. (وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَتَصْحِيحُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْآخَرِينَ: وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْفَرْضِيَّةِ هُنَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ صَلَاتِهِ لِلظُّهْرِ فَتَكُونُ نَفْلًا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا فِي جَمَاعَةٍ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَى الْقَضَاءِ.
(وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ) وَصَامَهُ (لَمْ يَقَعْ عَنْهُ) لِلشَّكِّ فِي أَنَّهُ مِنْهُ حَالَ النِّيَّةِ فَلَيْسَتْ جَازِمَةً. (إلَّا إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَصِبْيَانٍ رُشَدَاءَ) فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لِظَنِّ أَنَّهُ مِنْهُ حَالَ النِّيَّةِ، وَلِلظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا حُكْمُ الْيَقِينِ، فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اعْتِمَادَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ أَيْضًا عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ. (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ. (وَلَوْ اشْتَبَهَ) رَمَضَانُ عَلَى مَحْبُوسٍ (صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ) وَلَا يَكْفِيهِ صَوْمُ شَهْرٍ بِلَا اجْتِهَادٍ وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانَ. (فَإِنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ بِالِاجْتِهَادِ (مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ) قَطْعًا (وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي أَدَاءٌ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ غَيْرَ الْوَقْتِ وَقْتًا كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (فَلَوْ نَقَصَ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ) عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ إذَا عَرَفَ الْحَالَ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً فَلَا وَلَوْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَوَّالًا حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ كَمُلَ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ نَقَصَ، فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَيَقْضِي يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا قَضَى يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَوْمَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَضَى يَوْمًا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ وَافَقَ صَوْمُهُ ذَا الْحِجَّةِ حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ نَقَصَ، فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ كَامِلًا قَضَى أَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَخَمْسَةً عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَضَى أَرْبَعَةً بِكُلِّ حَالٍ.
(وَلَوْ غَلِطَ) فِي اجْتِهَادِهِ وَصَوْمِهِ (بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ) بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ (لَزِمَهُ صَوْمُهُ) بِلَا خِلَافٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ إلَّا بَعْدَهُ (فَالْجَدِيدُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ) وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ لِلْعُذْرِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ رَمَضَانَ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ مَا مَضَى مِنْهُ الْخِلَافُ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِهِ وَهُمْ الْقَاطِعُ بِالْوُجُوبِ فِي الْأُولَى وَبَعْضُ الْحَاكِينَ لِلْخِلَافِ فِيهَا.

. فَصْلٌ: [شروط الصيام]

شَرْطُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ وَسَيَأْتِي شَرْطُهُ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ (الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ) فَمَنْ جَامَعَ بَطَلَ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالِاسْتِقَاءَةِ) فَمَنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا أَفْطَرَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ وَذَرَعَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ) بِالِاسْتِقَاءَةِ (بَطَلَ) صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ عَيْنُهَا كَالْإِنْزَالِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ بِهَا لِتَضَمُّنِهَا رُجُوعَ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ وَإِنْ قَلَّ. (وَلَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ) لِلْحَدِيثِ (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً) مِنْ الْبَاطِنِ. (وَلَفَظَهَا) أَيْ رَمَاهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَلْيُرَخَّصْ فِيهِ، وَالثَّانِي يُفْطِرُ بِهِ كَالِاسْتِقَاءَةِ، (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى ذَلِكَ (فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ) لِتَقْصِيرِهِ، وَالثَّانِي لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَنْ الْفِعْلِ وَلَوْ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ، وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ، أَوْ حَصَلَتْ فِيهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِهَا وَمَجَّهَا لَمْ تَضُرَّ. (وَ) الْإِمْسَاكُ (عَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ الدَّوَاءَ) وَأَلْحَقَ بِالْجَوْفِ عَلَى الْأَوَّلِ الْحَلْقَ قَالَ الْإِمَامُ وَمُجَاوِزًا الْحُلْقُومَ، (فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ). الْمَصَارِينُ جَمْعُ مِعًى بِوَزْنِ رِضًا. (وَالْمَثَانَةِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ. (مُفْطِرٌ بِالْإِسْعَاطِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الْحُقْنَةِ أَوْ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ) بِالْبَطْنِ (أَوْ مَأْمُومَةٍ) بِالرَّأْسِ (وَنَحْوِهِمَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوُصُولُ مِنْ الْجَائِفَةِ إلَى بَاطِنِ الْأَمْعَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوُصُولُ مِنْ الْمَأْمُومَةِ إلَى خَرِيطَةِ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّاةِ أُمُّ الرَّأْسِ دُونَ بَاطِنِهَا الْمُسَمَّى بَاطِنُ الدِّمَاغِ.
(وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ) أَيْ الذَّكَرِ (مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ فِي جَوْفٍ غَيْرِ مُحِيلٍ، وَلَوْ أَوْصَلَ الدَّوَاءَ لِجِرَاحَةٍ عَلَى السَّاقِ إلَى دَاخِلِ اللَّحْمِ، أَوْ غَرَزَ فِيهِ سِكِّينًا وَصَلَتْ مُخَّهُ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْفٍ، وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِأُذُنِهِ فَوَصَلَ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ. (وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (مَفْتُوحٍ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ) إلَى الْجَوْفِ (بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ) كَمَا لَوْ طَلَى رَأْسَهُ أَوْ بَطْنَهُ بِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ وَجَدَ لَهُ أَثَرًا فِي بَاطِنِهِ. (وَلَا) يَضُرُّ (الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ) أَيْ الْكُحْلِ (بِحَلْقِهِ) لِأَنَّهُ لَا مَنْفَذَ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْحَلْقِ وَالْوَاصِلِ إلَيْهِ مِنْ الْمَسَامِّ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَاصِلِ (بِقَصْدٍ فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ أَوْ بَعُوضَةٌ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ يَعْسُرُ وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ الْغُبَارُ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّهْذِيبِ. (وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ) لِأَعْلَى اللِّسَانِ (ثُمَّ رَدَّهُ) إلَيْهِ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ. (وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ) كَمَا يُعْتَادُ عِنْدَ الْفَتْلِ (وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ) وَابْتَلَعَهَا (أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ) الطَّاهِرِ كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ. (أَوْ مُتَنَجِّسًا) كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَه حَتَّى أَصْبَحَ (أَفْطَرَ) فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى رَدِّ الرِّيقِ وَابْتِلَاعِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ ابْتِلَاعِ الْمَخْلُوطِ وَالْمُتَنَجِّسِ مِنْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ اللِّسَانَ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ اللِّسَانَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ فَلَمْ يُفَارِقْ مَا عَلَيْهِ مَعْدِنُهُ. (وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْدِنِهِ، وَالثَّانِي يُفْطِرُ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ هَيِّنٌ.
(وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ) مِنْ بَاطِنٍ أَوْ دِمَاغٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ) فِي ذَلِكَ (أَفْطَرَ) لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ (فَلَا) يُفْطِرُ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُصُولَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ نَصَّانِ مُطْلَقَانِ بِالْإِفْطَارِ وَعَدَمِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى حَالِ الْمُبَالَغَةِ. وَالثَّانِيَ عَلَى حَالِ عَدَمِهَا. وَالْأَصَحُّ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ، فَقِيلَ: هُمَا فِي الْحَالَيْنِ. وَقِيلَ: هُمَا فِيمَا إذَا بَالَغَ، فَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ لَمْ يُفْطِرْ قَطْعًا وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ يُبَالِغْ فَإِنْ بَالَغَ أَفْطَرَ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ لَمْ يُفْطِرْ بِحَالٍ. (وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ) مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا أَفْطَرَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَصَّانِ مُطْلَقَانِ بِالْإِفْطَارِ وَعَدَمِهِ حَمْلًا عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَحَكَيَا قَوْلَيْنِ. (وَلَوْ أُوجِرَ) أَيْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ (مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَقْصِدْ (فَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَاَلَّذِي رَجَحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُفْطِرُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَجَّحَ عَدَمُ الْفِطْرِ. (قُلْت الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ (وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (إلَّا أَنْ يُكْثِرَ) فَيُفْطِرُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْكُثْرِ نَادِرٌ. (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ (وَالْجِمَاعُ) نَاسِيًا (كَالْأَكْلِ) نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ بِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ فِيهِ قَوْلًا جِمَاعُ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ هَيْئَةٌ يَتَذَكَّرُ بِهَا الْإِحْرَامَ بِخِلَافِ الصَّائِمِ
(وَ) الْإِمْسَاكُ (عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ) لِأَنَّ الْإِيلَاجَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ مُفْطِرٌ فَالْإِنْزَالُ بِنَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا (وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ) يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ. (لَا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ) لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ كَالِاحْتِلَامِ (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ) خَوْفَ الْإِنْزَالِ (وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ تَرْكُهَا) فَيَكُونُ فِعْلُهَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَعَدَلَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا تُحَرِّكُ إلَى حَرَّكَتْ لِمَا لَا يَخْفَى (قُلْت: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَذَا قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا، وَالرَّافِعِيُّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ التَّحْرِيمَ وَالتَّنْزِيهَ، وَقَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّهْذِيبِ. (وَلَا يُفْطِرُ بِالْقَصْدِ وَالْحِجَامَةِ) وَسَيَأْتِي اسْتِحْبَابُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُمَا (وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ) كَأَنْ يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ (وَيَحِلُّ) الْأَكْلُ آخِرَهُ (بِالِاجْتِهَادِ) بِوِرْدٍ وَغَيْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ (وَيَجُوزُ) الْأَكْلُ (إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ شَكَّ) فِيهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا) مِنْ النَّهَارِ. (وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ) الْأَكْلُ (فِي أَوَّلِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ. (وَبَطَلَ) إنْ وَقَعَ الْأَكْلُ (فِي آخِرِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ وَلَا مُبَالَاةَ بِالتَّسَمُّحِ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ.
(وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ) وَإِنْ ابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ. وَإِنْ سَبَقَ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الصَّحِيحُ لَا يُفْطِرُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ) طُلُوعَ الْفَجْرِ. (مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ) صَحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا بِالصِّحَّةِ أَنْ يُحِسَّ وَهُوَ مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَيَنْزِعُ بِحَيْثُ يُوَافِقُ آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ (فَإِنْ مَكَثَ) بَعْدَ الطُّلُوعِ مُجَامِعًا (بَطَلَ) صَوْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ إلَّا بَعْدَ الْمُكْثِ فَنَزَعَ حِينَ عَلِمَ.